هل نحن نصوم ، لمجرد أن الطقس هكذا ؟
لمجرد أنه ورد في القطمارس ، أو التقويم ( النتيجة ) ، أن الصوم قد بدأ ، أو قد أعلنت الكنيسة هذا الأمر ؟ إذن فالعامل الفلبي الجواني غير متكامل … طبعاً طاعة الكنيسة آمر لازم ، وطاعة الوصية أمر لازم . ولكننا حينما نطيع الوصية ، ينبغي أن نطيعها في روحانية وليس في سطحية … وان كانت الكنيسة قد رتبت لنا هذا الصوم ، فقد رتبته من أجل العمق الروحي الذي فيه . فما هو هذا العمق الروحي ؟ ؟ وما هدفنا من الصوم ؟
هل هدفنا هو مجرد حرمان الجسد وإذلاله
في الواقع إن الحرمان الجسد ليس فضيلة في ذاته ، إنما هو مجرد وسيلة لفضيلة وهي أن تأخذ الروح مجالها . فهل نقتصر علي الوسيلة ، أم ندخل في الهدف منها وهو إعطاء الروح مجالها ؟… ما اكثر الأهداف الخاطئة التي تقف أمام الإنسان في صومه !
فقد يصوم البعض لمجرد أن يرضي عن نفسه .
لكي يشعر أنه إنسان بار ، يسلك في الوسائط الروحية ، ولا يقصر في آيه وصية… أو قد يصوم لكي ينال مديحاً لكي ينال مديحاً من الناس في صومه ، أو في درجة صومه … وهكذا يدخل في مجال المجد الباطل ، أي يدخل في خطية ! ما هو إذن الهدف السليم من الصوم ؟
الهدف السليم أننا نصوم من أجل محبتنا لله .
من أجل محبتنا ، نريد أن تكون أرواحنا ملتصقة بالله . ولا نشاء أن تكون أجسادنا عائقاً في طريق الروح . لذلك نخضعها بالصوم لكي تتمشي مع الروح في عملها . وهكذا نود في الصوم ، أن نرتفع عن المستوي المادي وعن المستوي الجسداني ، لكي نحيا في الروح ، ولكي تكون هناك فرصه لأرواحنا البشرية أن تشترك في العمل مع روح الله ، وان تتمتع بمحبة الله وبعشرته . حقاً ان التمتع بمحبة الله وحلاوة عشرته ، من المفروض أن يكون أسلوب الحياة كلها . ولكن لا ننسي أننا ننال ذلك بصورة مركزه في الصوم ، فيها عمق اكثر ، وحرص أكثر ، كتدريب وكتمهيد لكي تكون هذه المتعه بالله هي أسلوب الحياة كلها .
فنحن نصوم لأن الصوم يقربنا إلي الله .
الصوم فيه اعتكاف ، والاعتكاف فرصة للصلاة والقراءة الروحية والتأمل . والصوم يساعد علي السهر وعلي المطانيات . والسهر والمطانيات مجال للصلاة . والصوم فيه ضبط للإرادة وانتصار علي الرغبات . وهذا يساعد علي التوبة التي هي الطريق إلي الله وإلي الصلح معه . ونحن نصوم وفي صومنا تتغذي علي كل كلمة تخرج من فم الله ( مت 4) . إذن من اجل محبة الله وعشرته ، نحن نصوم . نصوم ، لأن الصوم يساعد علي الزهد في العالميات والموت عن الماديات . وهذا يقوينا علي الاستعداد للأبدي والالتصاق بالله . إن كان الصوم إذن هو أيام مخصصه لله وحده ، وإن كنا نصوم من اجل الله ومحبته ، فإن سؤالاً يطرح نفسه علينا وهو :
هل هناك اصوام غير خصصه لله ؟
نعم ، قد توجد أصوام للبعض لا نصيب لله فيا . كإنسان يصوم ولا نصيب لله في حياته علي الرغم من صومه ! يصوم وهو كما هو ، بكل أخطائه ، لم يتغير فيه شئ ! أو يصوم كعادة ، أو خوفاً من الإحراج لأجل سمعته كخادم . أو أن صيامه مجرد صوم جسداني كله علاقة بالجسد ، ولا دخل للروح فيه ! أو هو صوم لمجرد إظهار المهارة ، والقدرة علي الأمتناع عن الطعام . أو قد يكون صوماً عن الطعام ، وفي نفس الوقت يمتع نفسه بشهوات أخري لا يقوي علي الأمتناع عنها …!
يظن البعض أن الصوم مجرد علاقة بين الإنسان وبين الطعام ، دون أن يكون الله طرفاً ثالثاً فيها .
كل اهتماماته في صومه هي هذه : ما هي فترة الأنقطاع ؟ متي يأكل ؟ وكيف ينمو في أطاله فترة إنقطاعه ؟ وماذا يأكل ؟ وكيف يمنع نفسه عن أصناف معينه من الطعام ؟ وكيف يطوي أياماً …؟ كأن الصوم بين طرفين هو و الطعام ، أو هو والجسد ! دون أن يكون الله طرفاً في هذا الصوم بأيه صورة من الصور !! أحقاً هذا صوم ؟! إن الصوم ليس هو مجرد تعامل مع الجسد بل هو تعامل مع الله . والصوم الذي لا يكون الله فيه ، ليس هو صوماً علي الأطلاق .
نحن من أجل الله نأكل ، ومن أجله نصوم .
من اجل الله نأكل ، لكي ينال هذا الجسد قوة يستطيع بها أن يخدم الله ، وأن يكون أميناً في واجباته تجاه الناس . ونحن من أجل الله نجوع لكي نخضع الجسد فلا يخطئ إلي الله . ولكن يكون الجسد تحت سيطرتنا ، ولا نكون نحن تحت سيطرة الجسد ، لكي لا تكون رغبات الجسد وشهواته هي قائدتنا في تصرفاتنا . وإنما نسلك حسب الروح وليس حسب الجسد ، من أجل محبتنا لله ، وحفاظاً علي شركتنا مع روحه القدوس . اما في غير ذلك فيكون الصوم مرفوضاً من الله .