* قدم لنا الكتاب المقدس ألواناً متنوعة من " أناس الله القديسين " :
إنها صور متعدده من قديسين ، كل منهم له طابعة الخاص ، يختلفون فى العمر والجنس والوظيفة والحياة الإجتماعية والأسلوب الروحى 0
وذلك لكى نتعلم أن القداسة ملك للكل ، وليست وقفاً على فئة معينة من الناس دون غيرها 00
فلم يقدم لنا الكتاب حياة القداسة أو حياة الكمال ، قاصرة على الأنبياء والرسل مثلاً ، أو على الكهنة ورؤساء الكهنة ، أو على صانعى العجائب والمعجزات ، إنما هى للكل ، وهى بإمكان كل أحد
* قدم لنا الكتاب المقدس فى مراحل متفاوتة من العمر :
منهم الأطفال مثل صموئيل ، ومنهم الصبيان مثل داود وأرمياء 0 ومنهم الشباب مثل يوسف الصديق ، ويوناثان ، و مارمرقس ويوحنا الحبيب 0 منهم الرجال الناضجون مثل موسى وبطرس ، ومنهم الشيوخ مثل نوح وأخنوخ وإبراهيم 00 وسمعان الشيخ
* قدم لنا رجالاً ككل هؤلاء 0 كما قدم لنا نسوة قديسات 00 مثل مريم العذراء ، وحنة النبية ، وسارة ، وراعوث ، إستير ، واليصابات ، ومريم أخت لعازر 00 وغيرهن كثيرات 0
*وكما قدم لنا قديسين متفاوتين فى العمر ، قدم لنا أيضاً قديسين متفاوتين فى المركز الإجتماعى ، وفى الغنى والفقر : فالمسألة أولاً وأخيراً مسألة قلب مستعد لعمل النعمة فيه ، أياً كان مركزه أو وضعه المالى أووظيفته المالى أووظيفته فى المجتمع 0
وهكذا قدم لنا الكتاب قديسين أغنياء جداً مثل أيوب الصديق ، وأبينا إبراهيم ، ويوسف الرامى 0 كما قدم لنا فقراء مثل الأرملة التى دفعت من أعوازها فلسين فى الصندوق ، ومثل أرملة صرفة صيدا التى إستضافت إيليا النبى ، ومثل لعازر المسكين الذى كان يستعطى ، وكانت الكلاب تلحس قروحه0
قدم لنا الكتاب رعاة غنم مثل داود وإسحق ويعقوب ، وصيادى سمك مثل بطرس وإندراوس وعشارين مثل متى وزكا ، وملوكاً مثل داود ويوشيا ، ووزراء مثل دانيال ويوسف ، وأسرى حرب مثل الثلاثة فتية ، وأبطالاً مثل شمشون ، وقضاة مثل جدعون ، وطبيباً مثل لوقا ، وكاتباً مثل عزرا ، وخادماً مثل لعازر الدمشقى 00
* قدم لنا الكتاب أيضاً قديسين متفاوتين فى تقافتهم وعلمهم :
فبينما نرى موسى الذى " تهذب بكل حكمة المصريين " ، وبولس الذى كان من علماء عصره ، وسليمان الذى كان الحكم أهل الأرض فى زمانه ، نرى أيضاً جهال العالم الذين إختارهم الله ليخزى بهم الحكماء 00
* كذلك قدم لنا الكتاب أمثلة متفاوتة فى البتولية والزواج والترمل ، وكلها كانت حياة مقدسة طاهرة أحبها الرب 00
قدم لنا بتوليين قديسين مثل إيليا واليشع ويوحنا المعمدان و يوحنا الحبيب ، ومتزوجين قديسين مثل نوح البار ، وبطرس الرسول ، وأخنوخ أبى الآباء الذى رفعه الله إليه 00 كما قدم لنا من عاشوا حياة مقدسة فى الترمل مثل حنة النبية ، ومن تزوجوا بعد ترملهم مثل راعوث ، ومن تزوجوا بأكثر من واحدة مثل إبراهيم وموسى وداود 00
وعلى جبل التجلى ، ظهر السيد المسيح ، محاطاً بإيليا البتول ، وبموسى المتزوج ، والكل يحيط بهم نور عجيب 0 وحول الصليب ، كانت مريم العذراء ويوحنا البتول ، ومريم زوجة كلوبا التى أتجبت عدداً كبيراً من البنين والبنات 00
* قدم لنا الكتاب من عاشوا حياة مقدسة منذ البدء ، ومن جاءوا إلى الرب أخيراً ، ورحمهم الله وقبلهم إليه :
قدم لنا قديسين من بطون أمهاتهم ، مثل يوحنا المعمدان الذى من بطن أمه إمتلأ من الروح القدس 0 كما قدم لنا قديسين وقديسات عاشوا فى عمق الخطية قبل لقائهم بالرب مثل اللص اليمين ، والمرأة التى بللت قدمى الرب بدموعها ، ومثل راحاب الزانية ، وقدم لنا الكتاب أشخاصاً عاشوا من قبل بعيدين عن الله ، مثل مريم المجدلية التى أخرج منها الرب سبعة شياطين ، المرأة الكنعانية التى كانت من شعب ملعون أممى 00
وقدم لنا قديسين من مضطهدى الكنيسة ، مثل شاول الطرسوسى ، ومثل الجندى الذى طعن المسيح بالحربة0
* قدم لنا الكتاب المقدس شخصيات تحمل ألوانا من الروحيات ، متنوعة ، ومتغايرة ولكننا نراها كلها متكاملة :
قدم لنا إيليا الشديد النارى ، الذى أغلق السماء ثلاث سنين وستة أشهر فلم تمطر ، والذى قتل المئات من أنبياء البعل وأنبياء السوارى ، وانتهر آخاب الملك ، وقال لتنزل نار من السماء سكب دموعه ومراثيه 0
وأرنا الكتاب كيف أن الله عمل فى الشخصية النارية ، كما عمل فى الشخصية الباكية 0 وإستخدم الإثنتين فى بناء ملكوته0 فليس المهم هو نوعية الشخص ، إنما تسليمه لإرادته فى يد المشيئة الإلهية 0
فى الكتاب نرى شخصية بطرس الرسول المملوءة غيرة وتسرعاً وإندفاعاً ، مع شخصية توما المملوءة حرصاً وشكاً وتريثاً وحباً للفحص وبعداً عن الإندفاع0 وكلاهما فى يد الرب ، يعمل بهما 0 ونرى فى الكتاب كيف إستخدام الله أناسا كما هم ، بينما غير البعض فحول يوحنا إبن الرعد ، تلميذ المعمدان إلى قلب كله حب 00
* وكل فضيلة تعجبنا ، نرى شخصيات فى الكتاب تمثلها :
نرى أيوب يمثل الصبر ، وسمعان الشيخ يمثل الرجاء والإنتظار 0 نرى داود يمثل التوبة والإنسحاق وإبراهيم يمثل الطاعة والإيمان 0 نرى يعقوب الهادئ المحتمل ، ويحنا المعمدان المشهور بالصمت والتأمل 00
إنها باقة من الفضائل متنوعة الأزهار والألوان والعطور :
يقدمها الكتاب المقدس ، فى أشخاص أتقنوها عملياً ، وتركوها لنا كقدوة ومثال 0 بحيث أننا إن أردنا صفة ما ، أو فضيلة ما ، سنجد حتماً الشخص الذى يعطى لها صورة مثالية 0 وهكذا يكون الكتاب جامعاُ لكل ما نريد 0
* لذلك لا ييأس أحد مفتكراً أن حالته لا تناسب دعوة الله :
فالله مستعد أن يدعوك كما أنت ، أياً كانت حالتك ، أو ثقافتك ، أو سنك ، أو مركزك ، أو وضعك الإجتماعى 00 إنه " الداعى الكل إلى الخلاص " 00 ولعلك تجد مثيلاً لك فى الكتاب المقدس ، قد عمل الله فيه وبه 00
لا تقل إذن " لست أصلح " 0 فليس المهم هو صلاحيتك ، إنما المهم هو عمل الله معك 0 والله قادر أن تعمل مع الكل 0 قل له إذن " مستعد قلبى يا الله ، مستعد قلبى " ( مز 56 )
* ومن الأمور المعزية أيضاً فى الكتاب أنه قدم لنا مثاليات مثلنا ، لقديسين كانت لهم ضعفاتهم ونقائصهم وسقطاتهم :
ولكن روح الله قد عمل فيهم ، وأوصلهم إلى درجات عليا فى القداسة ، على الرغم من هذه الطبيعة التى يمكن أن تضعف أحياناً ، وتسقط 00 وما أعمق وأصدق قول الكتاب :
" إيليا كان إنسانا تحت الآلام مثلنا 00 " ( يع 5 : 17 ، 18 ) 0
ومع أنه كان تحت الآلام مثلنا ، إلا أنه " صلى صلاة " 0 وإستطاع أن يغلق السماء وأن يفتحها
قدم لنا الكتاب إبراهيم الذى خاف أن يقتلوه ، فقال عن زوجته سارة إنها أخته 0 ويعقوب الذى خدع أباه ، وسرق بركة أخيه 0 وشمشون الذى أغرته دليلة ، فكسر نذره 0 ونوحاً الذى سكر وتعرى ، وداود الذى زنى وقتل ، وتوما الذى شك ، وبطرس الذى أنكر 00
لم يقدم لنا الكتاب قديسين معصومين ، أو بشراً من نوع الملائكة ، إنما قدم بشراً مثلنا ، واقعاً لا خيالاً 00 قدم النفس البشرية التى نعرفها ، والتى إختبرناها ، " الأوانى الخزافية " السهلة الكسر ، التى عمل فيها الخزاف العظيم ، وصنع منها أوانى للكرامة ، وجعلها رائحة بخور ذكية ، أمام الملائكة والبشر 00 وكان " فضل القوة لله وليس لنا " ( 2كو 4 : 7 ) 0 أما عن الحروب الروحية التى تعرض لها هؤلاء ، فيغزينا الكتاب بقوله : " الحرب للرب 0 والرب قادر أن يغلب بالكثير وبالقليل 0
قدم لنا الكتاب المقدس عينات من قديسين ، من نفس نوعنا ، يمكن أن تضعف ، ويمكن أن تسقط ، ويمكن أن تخطئ وأن تزل 00
*ولكنه قدم لنا فى هؤلاء القديسين الذين أخطأوا ، صوراً رائعة من التوبة 0 نصف الحقيقة أنهم أخطأوا ، والنصف الآخر ، الأروع ، أنهم تابوا 00
إن الكتاب المقدس صريح وواقعى 0 إنه يقدم لنا قديسين من نفس طبيعتنا ، التى يمكن أن تخاف ، وأن تشتهى ، وأن تقتر ، وأن تهرب ، وتختبئ من الله 00 حتى السبعة ملائكة الذين للسبع كنائس فى آسيا ، نراهم من نفس الطبيعة البشرية العادية :
لذلك حينما ندرس هؤلاء الرعاة ، الذين وصفهم الكتاب بأنهم ملائكة ، لا ننسى أن واحداً منهم كان فاتراً ، لا هو حار ، و لا هو بارد ، وكان الله مزمعاً أن يتقيأه ( رؤ 3 : 16 ) 0 ونرى واحداً آخر منهم ، على الرغم من تعبه وكده لأجل الله ، عاد وترك محبته الأولى ، وأرسل له الله قائلاً " أذكر من أين سقطت وتب " ( رؤ 2 : 5 ) 0 ونرى ملاكاً ثالثا من ملائكة هذه الكنائس السبع ، يقول له الرب " إن لك إسماً إنك حى وأنت ميت " ( رؤ 3 : 1 )
إنها نفس الطبيعة البشرية التى لباقى لناس 00 والكتاب المقدس لا يكلمكم من وحى الخيال ، و لا يصور لكم قديسين لهم أجنحة من نور ونار ، ويطيرون فى السماء ، ويسبحون فى أجواء القداسة العليا
ولكن بعمل الله القوى الذى عمل فيهم ، بنعمته التى دخلت إلى قلوبهم ، بروحه القدوس الذى أرشدهم وقواهم وأشترك فى العمل معهم 00 بهذا قد وصلوا إلى ما وصلوا إليه 00 وتغيروا
بطرس الذى خاف ذات مرة أمام جارية وأنكر المسيح ، وتحول إلى القديس بطرس الجبار العنيف ، الذى وقف أمام ولاة وملوك ، وقال للشيوخ ولرؤساء الكهنة " ينبغى أن يطاع الله أكثر من الناس "
( أع 5 : 21 ) 00 جاهر بالإيمان ، وتعب لأجله ، وصار شعلة من نار ، وصلب ، ومات شهيداً
ما هذا يا أبى القديس بطرس ؟ يجبيب : لقد كنت ضعيفاً مثلك ، وخائفاً مثلك 0 لكن الله عمل فى ضعفى ، وروحه قوانى وشددنى ، فشهدت له أمام الكل 00
إذن ، حينما نجد القديس بطرس الرسول قد ملأ الدنيا تبشيراً ، لا نقول إنه من طبيعة أخرى سامية غير طبيعتنا 00 كلا ، إنه مثلنا 0 ولكنه فتح قلبه لعمل الله ، وسلم مشيئته لمشيئة القدوس
وإن رأينا إنساناً مثل القديس بولس الرسول ، قد تعب أكثر من جميع الرسل ، وكرز فى كل أرجاء الأرض ، فلا نظن أنه قد ولد هكذا 00 وإنما هو نفسه يعترف ويقول : " أنا الذى كنت من قبل مجدفاً وضطهداً للكنيسة ، ولكننى رحمت لأننى فعلت ذلك بجهل " ( 1تى 1 : 13 ) 00
وإن عرفنا جباراً من جبابرة الروح والرعاية مثل القديس موسى النبى ، الذى أجرى الله على بديه معجزات فى أرض مصر ، وشق البحر بعصاه ، وضرب الصخرة ففجر منها الماء ، أنزل من السماء المن والسلوى 00 فلا نظن أنه وقد ولد هكذا 00 بل أنه عاش فى مبدأ حياته كأمير فى قصر فرعون ، بكل الله ما تحمل الإمارة من رفاهية وتنعم وكبرياء ، متعداً بنفسه ، يضرب المصرى فيقتله 0 ولكن الله أمسك به ، علمه طريقه 0 أمسكه " إبن النجار " ، بالفارة والمنشار ، وأزال نتوءاته وصنفره ، وعمل فيه ، حتى صار قديساً عظيما ً لا نستحق التراب الذى يدوسه بقدميه 00 " وصار الرجل موسى حليماً جداً ، أكثر من جميع الناس الذين على وجه الأرض " ( عد 12 : 3 )
هذه عينات من الناس ، أخذها الله كما هى ، و عمل فيها ، وعمل معها ، صارت له ، وأخذت من بهائه ، ومن قوته 0
وبالنسبة إليك ، لا تشابه القديسين فى ضعفاتهم ، وإنما فى طهرهم 0
لا تتهاون معتذراً بأن القديسين أنفسهم قد أخطأوا ، إنما أنظر إلى توبتهم وأعماقها العجيبة ، وإلتصاقهم الطبيعى بالله 0
*وحينما نقول إنهم أخطأوا ، فلا نعنى أن حياتهم كلها كانت خطية 0 بل السقطات كانت الوضع العابر الطارئ فى حياتهم 0 أما القداسة فكانت الوضع الطبيعى الدائم 0
إذا عرفنا أن داود فى وقت ما ، قد زنى وقتل 0 فليس معنى هذا أن حياته كلها كانت زنى وقتلا وليس معنى هذا أن يتطاول بعض الوعاظ على هذا القديس العظيم ، ولا يتحدثون إلا عن خطيئته بلون من الإستصغار !! وينسون أنه رجل الصلاة والتسبيح والمزامير ، رجل المزمار والقيثار والعشرة الأوتار ، رجل الإيمان والوداعة ، الذى قال عنه الرب بنفسه " فحصت قلب داود ، فوجدته حسب قلبى
إن الشر لم يكن طبيعة فى هذا البار ، الذى حل عليه روح الرب ، والذى هزم جليات ، وإحتمل شاول وغفر لشمعى بن جيرا ، وسبح للرب تسابيح جديدة 00 إنما هى صفات طارئه ، سمح بها الرب ليعطى قديسه إنسحاقاً ودموعاً ، ويصيره درساً فى التوبة ، كما كان درساً فى الصلاة ، وفى الوداعة ، وفى الشجاعة 0